آخر المواضيع

dimanche 22 avril 2012

لأني أحبك أنت

إلى طالبة غالية
أحبها جدا في الله..
أرجو الدعاء لها بالثبات..


(كلنا سنحاسب عن أعمالنا.. أعمالنا فقط.. لا أحد سيغني عنك أو يساعدك يومها.. لا أمك.. ولا أبوك.. ولا صديقتك.. الكل سيهرب منك.. تخيلي.. كلهم سيتركونك ويفرون منك!! أحب الناس إليك سيتركونك ويهربون..
ولن ينفعك سوى عملك الصالح فقط.. عملك أنت..)..


* * *

كنت أستمع لأبلة حصة معلمة التفسير وهي تشرح لنا بطريقتها المبدعة قوله تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. وفصيلته التي تؤويه) وأنا متأثرة بشدة حتى كادت الدموع تنساب من عيني..
فقد كنت أفكر في نفسي وحالي..
أشعر أن الآية تخاطبني أنا.. نعم..
إنني أجاملهم.. أسايرهم.. أو أخاف منهم.. أخجل كثيراً من تعليقاتهم..
رغم أنهم لن ينفعوني في ذلك اليوم العظيم..
إنهم يحيطون بي.. وهم أقرب الناس إلي..
أبحث جاهدة عمن يساندني.. يعينني.. يثبتني.. لكن دون جدوى..
بل على العكس تماماً.. يسحبوني بشدة نحو عالمهم.. يقنعوني.. يضغطون علي..
فأضعف.. وأتراجع.. والألم يقتلني..
لكن هذه المرة سأتخذ قراراً بإذن الله..


* * *

حين أنظر لصوري مع أمي في الصغر.. أجد طفلة لا تحتوي شيئاً مني..
خصلات شقراء ناعمة مرتبة بتسريحة متقنة جداً.. معطف غاية في الأناقة من الفرو.. وضحكة تبدو ممتعة..
في معظم الصور لم تكن أمي تتركني على الأرض.. كانت دائماً تحملني رغم أن عمري تجاوز الخمس سنوات..
تحملني على كتفها.. تحضنني.. تقبلني.. تداعبني.. أنظر في ملامحها.. فأشعر بغصة..
دائماً تنظر إلي.. تنتظر مني أية كلمة أو ابتسامة لتفرح بها..
كم أحتاجها.. وأحتاج حبها وحنانها..
لكن شيئاً ما في داخلي.. يرفضها.. يبغضها على استحياء لأنها تركتني ولم تقاوم كثيراً من أجلي..
لماذا يا أمي؟ لماذا تركتيني بسهولة؟ لم نسيتيني كل هذه السنوات؟ ولم تسألي عني وتركتيني أكبر وأتجاوز أقسى سنوات الطفولة وأكثرها ألماً بعيداً عنك؟


* * *

تناديني ماما نجوى من بعيد..
جوجو.. هيا.. العشاء ينتظرك..
لا أعرف لماذا شعرت فجأة بالنفور من صوتها!!..
أصبحت – لا أعرف كيف- أنفر منها بعد أن عشت معها سنوات طويلة..
أشعر أنهم كلهم يخنقونني.. يقتلون شخصيتي.. يفرضون علي حياة لا أريدها ولا أحبها..
سرت بتثاقل نحو طاولة الطعام..
لينا وتالا –ابنتاها- سبقتاني للمائدة..
نظرت إليهما.. يرتديان نفس ملابسهما التي تعودا عليها في البيت.. شورت وقميص بلا أكمام..
كل شيء يبدو عادياً للجميع..
أبي الهاديء دائماً يجلس بصمت..
لم أشعر برغبة في تناول الطعام.. أخذت أنظر لهم جميعاً دون أن يشعروا.. أنظر بتفحص..
ماما نجوى تبدو فعلاً كامرأة غريبة.. ملابسها.. شعرها المصبوغ.. كلامها.. والأدهى عاداتها وأفكارها..
تالا..!
....
تالا!! ألا تسمعين؟! كم مرة ينبغي أن أخبرك أن تغلقي الـ Headphone أثناء تناول الطعام؟
ترد تالا بالانجليزية..
أوه ماما.. أرجوك.. إنها تشعرني بالسعادة.. ماذا يضر أن أسمع أثناء الأكل؟
يضر أنك لا تسمعيننا ولا تشاركيننا الحديث.. نريدك معنا يا تالا..
أوف!.. هاه..
وألقت سماعات جهاز التسجيل الموصلة بأذنيها على الطاولة بغضب وقلة احترام..
شعرت بغربة حقيقية في هذه البيئة.. لكني ابتلعت ألمي على مضض.. فكل شيء سيسير هكذا شئت أم أبيت..


* * *

تزوج أبي أولاً بامرأة حين كان عمري ست سنوات.. لكنها لم تبقَ معنا سوى سنتين فقط..
كانت ترفض أن تبقى معي حين أخاف وأحتاجها في الليل.. وذات مرة ضربتني حين بللت سريري بعد ليلة كانت فيها حرارتي مرتفعة.. فغضب عليها أبي كثيراً.. وبعدها تركت البيت ولم أرها بعد ذلك..
وبعد سنتين تزوج أبي بماما نجوى..
وهي إنسانة طيبة.. ولديها ابنتان في سني تقريباً.. لكنها غريبة جداً..
فهي متحررة تماماً.. لباسها.. حديثها.. أفكارها.. كل شيء..
متحررة حد الانسلاخ من هويتها.. دينها.. أعرافها..
لكني لم أكن أكرهها.. ولا أحبها..
لا أكرهها لأنها لم تؤذني يوماً.. ولم تجرحني أو تقصّر قي معاملتي..
ولا أحبها لأني لا أشعر بأي حب لها، ولا لأسلوبها كله في الحياة.. كنت أشعر بالغربة معها..
أما ابنتاها فقد كانت علاقتي بهما سطحية جداً.. لم أكن أحب مشاركتهما احتفالات أعياد ميلادهما.. ولا أحاديثهما التافهة حول (أصدقائهما) في الإنترنت.. ولا سباقهما المحموم لجمع صور ريكي مارتن وتعليقها على جدران غرفتهما..
ورغم أن أمي (أجنبية).. إلا أني لا أتحدث بالانجليزية قدرهما في البيت.. ولا أشعر بانتماء لتلك الثقافة قدر ما يشعران به. وأحياناً أرحمهما.. لأنهما أبعد ما يكونان عن سعادة الروح الحقة..


* * *

لم يكن أبي أبداً جزءاً هاماً من حياتي.. وهو خارج الصورة دائماً..
إنه إنسان طيب وهادئ.. ولا يمكن أن يؤذي نملة.. لكنه مشغول دائماً..
لا يتكلم إلا نادراً.. ولا يهتم بأي شيء في المنزل.. لا يهتم أبداً..
أحس أنه يرحمني ويعطف علي.. لكني لم أشعر يوماً بحبه..
وتنتابني أحياناً فكرة أنه يعتبرني من أخطاء حياته التي يكفر عنها..
إنني مثل ورم صغير مؤلم في حياته.. أشعره بالألم كلما نظر إلى عيني.. فيبتعد عن مواجهتي..


* * *

أشد.. أشد ما يمكن أن يمر على الإنسان من لحظات ألم.. هي تلك التي يمر بها وهو يعلم أن لا أحد ممن حوله .. لا أحد تماماً.. يحس به أو يسانده فيها..
وأشدها على الإطلاق.. التي يشعر فيها أنه لا يعرف إلى أين يهرب من هؤلاء الأقرب إليه..
لا أستطيع أبداً أن أصف شعوري..
كلا.. لا أستطيع.. أن أصف كيف يمكن أن تستلقي في سريرك.. تبحثين عمن يمكن أن يسندك بكلمة.. فلا تجدين سوى الجدران الصماء.. وبرد الوحدة الأليم ينهش قلبك..
لا أب.. لا أم.. لا أحد حولك يدفعك نحو الخير.. أو حتى يساعدك عليه..
أفكر..
كيف.. كيف أستطيع أن أستمر في ارتداء عباءتي المحتشمة رغم غمزاتهم وضحكاتهم؟ كيف أرفض الجلوس معهم أمام قنوات الأغاني التي يفضلنها؟ كيف أرفض أن أجلس سافرة مع أخوالهم وأبناء أخوالهم؟
من أين لي بالثبات يا ربي؟
أبكي.. أريد أمي..
كلا.. أمي لن تنفعني..
أريد.. أريد عونك يا ربي.. يا حبيبي..
لأجلك أنت فقط.. لأني أحبك أنت سأقاوم..
ولأجل رضاك سأتألم..
لأني أعلم أنني على حق.. وهم على باطل.. وهم جميعاً لن ينفعوني يوم الفزع الأكبر..
فألهمني الثبات..
أقوم لأصلي الفجر.. أحاول أن أحصل على لحظة سكينة وخشوع..
وأدعو الله أن يثبت قلبي.. وأن يهديهم جميعاً.. رغم صوت موسيقى الروك القادمة من غرفة تالا..



**
مجلة حياة العدد (57) محرم 1426هـ

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات